الإرشاد شرح لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد
الأدلة على رؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة
وأما الآية الأولى فهي أصرح الآيات التي استدل بها أهل السنة، وهي قوله تعالى : رسم> كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ قرآن> رسم> ( القيامة:20-21 ) آية> يخاطب الكفار: تحبون العاجلة؛ وهي الدنيا، وتذرون الآخرة ولا تتنافسون فيها، ثم ذكر أقسام الناس في قوله تعالى: رسم> وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ قرآن> رسم> ( القيامة: 22-25 ) آية> الوجوه الأولى وصفها بأنها ناضرة؛ أي: ذات نضرة وبهاء وسرور، وجوههم مسفرة مستنيرة ؛ لأنهم يرون ربهم، رسم> إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ قرآن> رسم> أي تنظر إلى ربها نظر عيان، ففي هذه الآية نسبة الرؤية إلى الوجوه؛ وذلك لأن الوجوه هي محل النظر ، ولما أن نظرت الوجوه إلى ربها أشرقت وأسفرت.
وكثيرًا ما يصف الله وجوه أهل الجنة بصفات تظهر عليها؛ وذلك لأن الوجه هو محل التأثر، وإذا كان مسرورًا رأيت وجهه مستنيرًا، وإذا كان حزينًا رأيت وجهه مكتئبًا، فوصف الله أهل النار بقوله: رسم> وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ قرآن> رسم> ( الغاشية:2 ) آية> يعني: ذليلة، ثم قال تعالى: رسم> وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ قرآن> رسم> ( الغاشية:8 ) آية> يعني: منعَّمة، هكذا وصفهم الله بهذه الآية.
وفي آية أخرى قال تعالى: رسم> وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ قرآن> رسم> ( عبس:38 ) آية> أي: أضاءت واستنارت، والإسفار هو الضياء، مسفرة يعني: عليها آثار هذه الإضاءة، أما الوجوه الأخرى فإنها قال الله تعالى عنها: رسم> عَلَيْهَا غَبَرَةٌ تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ قرآن> رسم> ( عبس: 40-41 ) آية> .
فإذن هذه وجوههم التي وصفها الله أنها ناظرة، والكلمتان في الآيتين لفظهما واحد، ولكن خطهما مختلف رسم> وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ قرآن> رسم> ( القيامة:22 ) آية> مكتوبة بالضاد؛ أي: ذات نضرة، مثل قوله تعالى: رسم> وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا قرآن> رسم> ( الإنسان:11 ) آية> أي: ذات نضرة وبهاء وسرور، رسم> إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ قرآن> رسم> ( القيامة:23 ) آية> هذه كتبت بالظاء المشالة؛ من النظر الذي هو المعاينة.
قال بعض العلماء: نظروا إلى ربهم فنضرت وجوههم، يعني: استنارت وأسفرت وابتهجت بهذا النعيم ، فهذا هو دليلهم، أورد المؤلف رحمه الله هذين الدليلين من القرآن وذكر أن الرؤية تكون في الآخرة.
وقد ورد أيضا في الأحاديث ما يدل على أن الجميع يرون ربهم يوم القيامة عندما ينزل لفصل القضاء، ويقول: رسم> من كان يعبد شيئًا فليتبعه، فيتبع من كان يعبد الشمسَ الشمسَ، ويتبع من كان يعبد القمرَ القمرَ، ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت، وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها، فيأتيهم الله في غير الصورة التي يعرفون، فيقول: أنا ربكم متن_ح> رسم> وفي هذا أنهم يرونه جميعًا؛ المنافقون والمؤمنون - كما يشاء ، قال تعالى: رسم> يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ قرآن> رسم> ( القلم:42 ) آية> قيل: إنهم يسألونه علامة، فيكشف عن ساق، فعند ذلك يعرفون أنه ربهم فيسجدون.
فهذا قد استدل به على أنهم يرونه في القيامة، ولكن هي رؤية ابتلاء وامتحان، أما الرؤية التي هي رؤية لذة، وبهجة، ونعيم فإنها في الجنة، وقد ذكر العلماء أن المقربين يرون الله بكرة وعشيًّا، وأن الأبرار يرونه كل جمعة؛ أي: في كل أسبوع.
قوله :
( وقال النبي صلى الله عليه وسلم: رسم> إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر، لا تضامون في رؤيته متن_ح> رسم> حديث صحيح متفق عليه حديث> وهذا تشبيه للرؤية بالرؤية لا للمرئي بالمرئي، فإن الله تعالى لا شبيه له ولا نظير. )
شرح:
ثم ذكر من أدلة الرؤية حديث جرير بن عبد الله اسم> قال : رسم> كنا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ نظر إلى القمر ليلة البدر، فقال: أمَا إنكم سترَون ربكم كما تَرَوْن هذا، لا تضامون - أو لا تضاهون - في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا ، ثم قرأ: رسم> وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا قرآن> رسم> ( طه:130 ) متن_ح> رسم> .
فحديث جرير اسم> هذا دليل على رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة، ويريد بالصلاتين صلاتي العصر والفجر، أي: حافظوا على هاتين الصلاتين؛ لأن المقربين يرون الله بكرةً وعشيًّا، وقد فُسر بذلك أيضًا قوله تعالى: رسم> وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا قرآن> رسم> ( مريم:62 ) آية> ، وبكل حال فرؤية المؤمنين لربهم من أجل ما أنعم وتفضل به عليهم، هذا هو قول أهل السنة.
وقد استوفى الأئمة الكلام على الرؤية كما في كتاب ابن القيم اسم> ( حادي الأرواح ) الذي كتبه عن أهل الجنة وصِفة نعيم الجنة، وفي آخر أبوابه باب في رؤية المؤمنين لربهم، ذكر فيه سبعة أدلة من القرآن وهي:
الدليل الأول: وهو سؤال موسى اسم> النظر في قوله تعالى: رسم> رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قرآن> رسم> ( الأعراف:143 ) آية> فهو أعلم بما يجوز على ربه من علماء المعتزلة.
الدليل الثاني: قوله تعالى: رسم> لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ قرآن> رسم> ( يونس:26 ) آية> الزيادة ورد في الحديث أنها النظر إلى وجه الله ولهذا قال تعالى : رسم> وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ قرآن> رسم> ( يونس:26 ) آية> الحسنى: الجنة، والزيادة: النظر إلى وجه الله ، فإذا نظروا إلى وجهه فلا يرهق وجوههم قَتَرٌ ولا ذِلّة.
الدليل الثالث: قوله تعالى: رسم> وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ قرآن> رسم> ( ق:35 ) آية> فُسر المزيد بأنه النظر إلى وجه الله تعالى.
الدليل الرابع: آيات اللقاء، وهي كثيرة كقوله تعالى: رسم> فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ قرآن> رسم> ( الكهف:110 ) آية> اللقاء لا تعرفه العرب إلا أنه المقابلة والنظر، فهو دليل واضح على إثبات الرؤية.
الدليل الخامس: قوله تعالى : رسم> لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ قرآن> رسم> ( الأنعام:103 ) آية> فهو دليل على إثبات الرؤية - كما سيأتي - مع أن المعتزلة يجعلونه دليلا على نفي الرؤية.
الدليل السادس والسابع: الآيتان اللتان ذكرهما ابن قدامة اسم> رحمه الله، فهذه سبعة أدلة.
مسألة>